سعد صاحب
الصدر مدينة تقدر مساحتها بأكثر من عشرين مليون متر مربع، مترامية الاطراف قسمت مناطقها الى قطاعات بلغت مساحة كل قطاع حوالي 200,000 متر مربع يحتوي كل قطاع على الف بيت تقريباً..
شمل الزعيم عبد الكريم قاسم سكانها الفقراء بمساحة 144م2 الا ان ازدياد الاهالي وانشطارهم خلال العقود الاخيرة دفع بالعديد من ساكنيها الفلاحية الولود الى تقسيم 144م2 الى نصفين واحياناً الى ثلاثة اقسام، الامر الذي خلق زحاماً خانقاً بين السكان الذين يعانون من تدني واقعهم الاقتصادي والاجتماعي اثر تفشي ظاهرة البطالة والفقر وانعدام الخدمات الصحية والبيئية... وعلى الرغم من الميزانية المخصصة لاعمار المدينة فان المشاريع فيها تسير ببطء شديد بسبب عمليات الفساد الواسعة التي طالت الاموال المخصصة لاعمار المدينة.
الهجرة من الريف
المواطن محمد جبار(70) عاماً يتذكر قصة رحيلهم الحزينة اذ يقول: هجرنا الريف وجئنا الى بغداد بسبب الفقر والمشاكل الاجتماعية بحثاً عن المأوى ولقمة العيش، فسكنا في اكواخ من الطين، بعدها استأجرت غرفة تنام فيها عائلة يصل عدد نفوسها الى(10) اشخاص او اكثر، وكانت اسعار الاراضي في ارتفاع ملحوظ، فاصدرت حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم قانون تعديل ايجار العقار، واقرت نظام بيع المساكن الى العمال والفلاحين، ووزعت الاراضي باجور زهيدة، وتخلص الفقراء من صرائفهم المقامة قرب مجاري المياه الاسنة والتي كانت مكاناً لانتشار الامراض.
توزيع الاراضي
ابو كاظم(80عاماً) يتألم كثيراً حين يعيد شريط الذاكرة، عندما كان شيوخ الفقراء يقضون لياليهم الحمر في قصورهم الكبيرة العامرة المقامة على دجلة، والناس البسطاء محرومون من ابسط حقوقهم في العيش والحياة الكريمة اللائقة للانسان، فكرة توزيع الاراضي على المظلومين كانت في حينها انجازاً عظيماً ومنقذاً من هلاك محقق، كانت العوائل صغيرة وقطعة ارض مساحتها(144م2) كافية وفائضة عن الحاجة، ولكن بمرور الزمن انشطرت هذه العوائل بشكل لافت ومثير فضاقت البيوت ذرعاً بساكنيها وابتدأت المشاكل تتسع يوماً بعد يوم.
بيوت مزدحمة
احمد علي(30عاماً) يشرح لنا حكايته بقوله: لم استطع الزواج في بيتنا لانه مزدحم، فنحن اربعة عوائل نعيش في هذه القطعة الصغيرة، العائلة الاولى: ابي وامي واخي وانا واخواتي.
العائلة الثانية: اخي المتزوج وعائلته المكونة من(6) اشخاص.
العائلة الثالثة: اخي الاخر وعائلته التي اصبح تعدادها(
اشخاص.
العائلة الرابعة: اخي الذي يكبرني وعائلته التي بدأت تكبر فله(5) اولاد وزوجته حامل.
والعائلة الاخيرة عائلة اخي الكبير الذي عاد الينا بسبب ظروف خارجة عن ارادته وبنى طابقاً ثانياً لعائلته التي تجاوزت الـ(10) اشخاص، فهل استطيع الزواج في هذا المكان الذي لايسمح لي حتى بالحركة؟
اربعون شخصاً في بيت واحد
توجد عوائل كثيرة في مدينة الثورة (الصدر) حالياً يفوق عدد نفوسها الثلاثين اوالاربعين شخصاً في هذه البحبوحة التي لاتصلح الالعيش عائلة واحدة صغيرة، عى سبيل المثال عائلة الحاج محمد زامل في قطاع(41) تتكون من(50شخصاً) فهم ينظمون حياتهم كالسجناء بالوقوف طابوراً على دورة المياه، وبعض الاحيان تحدث شجارات فيما بينهم بسبب الزحام والانتظار الطويل، الشيء نفسه ينطبق على غسل اليدين او الحمام وغيرها من الاشياء، والذي يدير شؤونهم جدهم الكبير الذي يجلس مبكراً ويبدأ بايقاظهم عائلة عائلة، وفي الليل يحسبهم واحداً واحداً، وحين يخطئ بالحساب يعيده من جديد، ودائماً يتعبه احد احفاده المشاكسين الذي يعود متأخراً بعكس اخوته الاخرين الذين يعودون بوقت مبكر الى البيت.
شحة مياه
الحاجة بدرية (70عاماً) دائمة التذمر والشكوى من الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة بسبب شحة المياه التي تحتاج الى مضخة لسحبها، والتي تسبب في بعض الاوقات مشاكل بين الجيران تصل الى الشجار لكون بعض العوائل يسحبون الماء بمضخة كبيرة (تشفط) كل المياه وتحرم البيوت الاخرى من الحصول عى الماء، اما المجاري اذا فاضت تملأ البيوت بالمياه القذرة التي تحول الحياة الى جحيم، واحياناً تجتمع كل هذه الاشياء في وقت واحد، ويكتمل الموضوع بانقطاع الكهرباء، ويبقى المواطن في حالة تأهب مستمرة، يقاتل الحشرات صيفاً، والشتاء له معاناته الخاصة التي هي ارحم عند البعض كما يقولون.
الكثافة السكانية
الكثافة السكانية داخل البيوت الضيقة دفعت المواطنين الى التجاوز على اراضي الدولة، الجزرات الوسطية استغلت من قبل اصحاب البسطيات وبائعي البنزين، حتى اصحاب المطاعم بدلاً من ان يدفعوا ايجارات غالية اقاموا مطاعمهم في الاماكن الفارغة وهناك من بنى له بيتاً في الساحات المهجورة، هذه التجاوزات أدت الى قلة الحدائق والمتنزهات التي يحتاجها المواطن في الترويح عن نفسه، فالبيوت في هذه المدينة المكتظة بالسكان كأنها مدارس ابتدائية، يجلس الصغار مع خيوط الفجر الاولى ويبدأ الصراخ والعويل واللعب الى ساعة متأخرة من الليل، ولكون البيوت متلاصقة يكون المرء مرغما على سماع هذه الاصوات التي تحرمه من النوم والراحة وهوبامس الحاجة لهما، ناهيك عن اهمال الاهل وعدم متابعة اطفالهم.
الحلول
اغلب سكان المدينة يتمنون على الدولة اعادة التخطيط العمراني للمدينة وتوزيعها بشكل جديد، وتفعيل مشروع(10×10) الذي يعتمد الشقق السكنية، والذي يوفر مساحة من الارض يمكن الاستفادة منها في بناء المشافي والمكتبات والتشجير، والقيام بمشاريع خدمية ناجحة فقد تعبت اعصاب المواطن من شبكة المياه الثقيلة التي لم تعد صالحة للعمل، ضاقت المدينة بناسها واصبحت امنية كل متزوج ان تكون له شقة مستقلة تلافياً للمشاكل التي يسببها ضيق المكان